نهاية العالم (7)
 

نهاية العالم (7)

عبد الرحمن بن ندى العتيبي



-7 ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب.

(الخسف) يقال: خسف المكان يخسف خسوفا: ذهب في الأرض.

والخسف يحدث في أماكن متفرقة من الأرض على مساحات صغيرة كما جرى لقارون عندما طغى وتجبر وجحد فضل ربه فنزل به سخط الله قال تعالى {فخسفنا به وبداره الأرض}، وقد توعد الله بالخسف كل من خالف أمر ربه وعصاه قال تعالى {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)} [الإسراء]. وتفسير الآية ان الله قادر على ان يخسف جانب البر الذي هو مأمنكم، فالله قادر على ان يغيبه ويذهب به في أعماق الأرض مصاحبا لكم وانتم عليه فتذهبون في باطن الارض فتهلكون ولا ناصر لكم من دون الله.

وعقوبة الخسف قد تعاجل المخالف لأمر الله قال تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}[النور].

فالله جل في علاه مستو على العرش فوق السماوات مطلع على عباده قريب منهم {وهو معكم أينما كنتم} ومن يعصي ربه فليس بمأمن من العقوبة في أي لحظة فقد يخسف به قال تعالى{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)} [الملك].

فالأمر لله وهو قادر على ان يعذب من كفر به فيجعل الأرض تنشق من تحته فتبتلعه.

ومن علامات الساعة الخسف كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكون الساعة حتى تكون عشر آيات خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب» الحديث.

قال ابن حجر: (وقد وجد الخسف في مواضع ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد كأن يكون أعظم منه مكانا وقدرا) أ هـ.

ويكون ذلك الخسف حدثا عظيما وعلامة على قرب الساعة ونهاية العالم.

-8 النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب» [رواه البخاري].

قال ابن حجر في الفتح: (المراد بالإشراط العلامات التي يعقبها قيام الساعة) أ هـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث اصبحوا وتمسي معهم حيث امسوا) [رواه البخاري].

قال ابن حجر المراد بقوله (تحشر الناس من المشرق الى المغرب) إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب. أو انها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن من المشرق، واما جعل الغاية إلى المشرق فلأن الشام بالنسبة الى المشرق مغرب) ا هـ.

وقيل انها تبدأ فتتجه الى المشرق ثم تتجه الى المغرب والله أعلم.

والنار التي تخرج فتسوق الناس الى محشرهم تلازمهم فتبيت معهم وتصبح معهم الى ان يصلوا الى أرض المحشر.

قال القرطبي: إذا أراد الله انقراض الدنيا وتمام لياليها خرجت نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر حتى يجتمع الخلق بالمحشر. والحشر أربع حشران في الدنيا وحشران في الآخرة فاللذان في الدنيا المذكور في سورة الحشر وهو حشر اليهود الى أرض الشام، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا قالوا: الى أين؟ قال: إلى أرض المحشر ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جزيرة العرب. والحشر الثاني المذكور في أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما اللذان في الآخرة فحشر الأموات من قبورهم بعد البعث جميعا قال تعالى {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} وحشرهم إلى الجنة والنار. ا هـ.

والنار التي تحشر الناس من العلامات الكبرى الدالة على نهاية العالم وقرب موعد قيام الساعة، وقد دلت السنة على علامات اخرى من علامات الساعة المؤذنة بنهاية العالم.

-9 خروج نار من أرض الحجاز

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ارض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» [رواه البخاري ومسلم].

قال النووي: (بصرى مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين الشام ثلاث مراحل، وقد خرجت في زماننا بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارا عظيمة جدا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة تواتر العلم بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان واخبرني من حضرها من أهل المدينة) ا هـ

والنووي توفي سنة 676هجري، ولقد ذكر ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) عدة روايات لمن عاصروا وقت خروج النار ومنهم من رآها ونخلص من هذه الروايات بأن تلك النار خرجت في المدينة النبوية سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية وانها أضاءت مساحة كبيرة من الأرض ويبدو أنها حدثت جراء زلازل وثورات بركانية مستمرة حلت بالمدينة والله أعلم.

قال ابو شامة من كتاب سنان بن عبدالوهاب قاضي المدينة إلى بعض أصحابه: لما كانت ليلة الاربعاء ثالث جمادى الآخرة حدث بالمدينة زلزلة عظيمة وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى ثم طلع يوم الجمعة نار عظيمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت واشفقنا منها وخفنا خوفا عظيما، وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت له: قد أحاط بنا العذاب ارجع إلى الله تعالى، فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم، والله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة والمدينة قد تاب جميع أهلها، ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب، وما أقدر أصف لك عظمها ولا ما فيها من الأهوال، وأبصرها أهل ينبع وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهي على حالها والناس منها خائفون، والشمس والقمر من يوم ما طلعت ما يطلعان إلا كاسفين فنسأل الله العافية.

قال ابوشامة: وبان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان، وكنا حيارى من ذلك أيش؟ إلى أن جاءنا الخبر عن هذه النار، وقال القاضي علي بن أبي القاسم التميمي الحاكم بدمشق سمعت رجلا من الأعراب يخبر والدي ببصرى في تلك الليالي أنهم رأوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت في الحجاز. وقال فيها بعضهم أبياتا:

يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا

لقد أحاطت بنا بأساء

زلازل تخشع الصم الصلاب لها

وكيف يقوى على الزلزال شماء

بحر من النار تجري فوق سفن

من الهضاب لها من الأرض أرساء

فيا لها آية من معجزات رسول الله

يعقلها القوم الألباء

فباسمك الاعظم المكنون إن عظمت

منا الذنوب وساء القلب أسواء

فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد

واصفح فكل لفرط الجهل خطاء

فخروج هذه النار من علامات الساعة وهي دليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به، وهذه النار إحدى العلامات المؤذنة بقرب الساعة ونهاية العالم.

نسأل الله ان يوقظ قلوبنا من الغفلة ويوفقنا للاهتمام لما خلقنا لأجله وهو عبادته وحده، وان يرزقنا القبول وحسن الخاتمة.



تاريخ النشر 2010/03/8

الإبانة - جريدة الوطن الكويتية